فصل: ثم دخلت سنة ثماني عشرة ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثماني عشرة ومائة فمن الحوادث فيها‏:‏غزوة معاوية وسليمان ابني هشام بن عبد الملك الروم‏.‏

وفيها‏:‏ وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد إلى خراسان واليًا على شيعة بني العباس وغير اسمه وتسمى بخداش ودعا إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فتسارع الناس إليه وسمعوا أطاعوا ثم غير ما دعاهم إليه وكذب وأظهر دين الخرمية ورخص لبعضهم في نساء بعض وأخبرهم أن ذلك من أمر محمد بن علي فبلغ خبره أسد بن عبد الله فوضع عليه العيون حتى ظفر به فأمر به فقطعت يده وقلع لسانه وسملت عينيه وقتله وصلبه بأمل‏.‏وفيها‏:‏ اتخذ أسد مدينة بلخ دارًا ونقل إليها الدواوين واتخذ المصانع ثم غزا طخارستانففتح وأصاب وسبى‏.‏

وفيها‏:‏ عزل خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم عن المدينة واستعمل عليها محمد بنهشام بن إسماعيل وجاء كتاب إلى أبي بكر بن حزم يوم عزل خالد عن المدينة‏.‏ بإمرته فصعد

المنبر وصلى بالناس ست أيام ثم قدم محمد بن هشام من مكة عاملًا على المدينة‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس محمد بن هشام وهو أمير مكة والمدينة والطائف‏.‏ قاله الواقدي‏.‏وقال غيره‏:‏ إنما كان عامل المدينة في هذه السنة خالد بن عبد الملك‏.‏ وكان على العراق خالدبن عبد الله وإليه المشرق وعامله على خراسان أخوه أسد بن عبد الله وعامله على أرمينية

وأذربيجان مروان بن محمد وعامله على البصرة وأحداثها وقضائها والصلاة بأهلها بلال بن أبي بردة‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد

المنكدري قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن الأنباري

قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عبيد قال‏:‏ أخبرنا المدائني قال‏:‏ نظر مالك بن دينار إلى رجل قد اشترى سمكة بستة دراهم وثيابه تساوي ثلاثة دراهم فقال‏:‏ يا هذا اشتريت سمكة بستة دراهم وثيابك لعلها تساوي ثلاثة دراهم فقال له‏:‏ يا أبا يحيى لسب أريدها لنفسي إنما اشتريتها للأمير الظالم الذي يطالبنا بما لا نطيق - وذكر له بلال بن أبي بردة - قال‏:‏ فامض معي إليه فمضى فاستأذن فأذن له فقال له‏:‏ يا ذا الرجل أزل عن الناس ما تعتمده من الظلم ولا تعرض لهذا البائس قال‏:‏ قد أزلت عنه المظلمة لمكانك يا أبا يحيى ادع الله لي دعوة قال‏:‏ وما ينفعك أن أدعو لك وعلى بابك مائتان يدعون عليك.  ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر إياس بن سلمة بن الأكوع أبو بكر الأسلمي‏:‏ روى عن أبيه توفي بالمدينة‏.‏

ثابت بن أسلم أبو محمد البناني البصري‏:‏ نسب على بنانة بنت القين بن حبشي تربى حاضنه حضنت أولاد سعد بن لؤي ونسب أولاده إليها‏.‏أسند ثابت عن ابن عمر وابن الزبير وأنس وغيرهم وكان متعبدًا كثير الصلاة والصيام‏.‏أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدَّثنا حسن بن موسى قال‏:‏ حدَّثنا أبو هلال عن بكر ابن عبد الله قال‏:‏ من سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا الذي هو أعبد منه تراه في يوم معمعاني بعيد ما بين الطرفين يظل صائمًا ويروح ما بين جبهته وقدمه‏.‏قال أحمد‏:‏ و حدَّثنا سيار حدَّثنا جعفر قال‏:‏ سمعت ثابتًا يقول‏:‏ ما تركت في المسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها وبكيت عندها حي بن يؤمن بن جحيل أبو عشانة المعافري‏:‏

حدث عنه أبو قبيل والليث وابن لهيعة‏.‏ وكان من العباد‏.‏ توفي في هذه السنة الحجاج بن فرافصة‏.‏

أخبرنا علي بن عبيد الله قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد حفص الكتاني قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر النيسابوري قال‏:‏ حدَّثنا يوسف قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن كثير عن سفيان

قال‏:‏ بت عند الحجاج بن فراصفة اثني عشرة ليلة ما رأيته أكل ولا شرب ولا نام‏.‏

عبد الله بن عامر أبو عبد الرحمن اليحصبي‏:‏ إمام أهل الشام في القراءة قرأ على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وقرأ المغيرة على عثمان‏.‏وروى ابن عامر عن واثلة النعمان بن بشير وولي القضاء وتوفي هذه السنة‏.‏

عبادة بن نسي‏:‏ قاضي الأردن وسيد أهلها رأى عقبة بن عامر الجهني وأبا عبد الله الصنابحي‏.‏ توفي هذه السنة‏.‏أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن هبة الله الطبري قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن الحسين بن الفضل قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن محمد بن دستوريه قال‏:‏ حدَّثنا يعقوب بن سفيان قال‏:‏ حدَّثني سعيد بن أسد قال‏:‏ حدَّثنا ضمرة عن رجاء قال‏:‏ كان بين رجل وعباده بن نسي منازعة فأسرع إليه الرجل فلقي رجاء بن حيوية فقال‏:‏ بلغني عروة بن أذينة أبو عامر‏:‏ من بني ليث وكان شريفًا أديبًا ثبتًا يحمل عنه الحديث وفد هشام بن عبد الملك فقال له‏:‏ ألست القائل‏:‏

لقد علمت وما الإسراف من خلقي ** أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنيني تطلبه ** ولو قعدت أتاني لا يعنيني

قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فما أقدمك علينا قال‏:‏ سأنظر في ذلك وخرج وارتحل من ساعته‏.‏ وبلغهشام ذلك فأتبعه بجائزته‏.‏

ووقفت عليه امرأة فقالت‏:‏ أنت الذي يقال عنك الرجل الصالح وأنت تقول‏:‏

إذا وجدت أوار الحب في كبدي ** عمدت نحو سقاء القوم أبترد

هذا يؤدي ببرد الماء طاهره ** فمن لنار على الأحشاء تتقد

فوالله ما قال هذا صالح قط‏.‏أخبرنا ابن ناصر الحافظ بإسناد له عن عبد الجبار بن سعيد قال‏:‏ مرت سكينة ومعهاجواريها ليلة بالعقيق فإذا هي بعروة بن أذينة فقالت لجواريها‏:‏ من في قصر ابن عنبسة جالس

فقلن لها‏:‏ عروة بن أذينة فمالت إليه فقالت‏:‏ أنت يا أبا عامر تزعم أنك بريء وأنت الذي تقول‏:‏

ألست تبصر من حولي فقلت لها ** غطي هواك وما ألقى على بصريهن أحرار إن كان خرج هذا من قلب ** سليم فإن شئت أن تعتقهن فقل‏.‏

أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني‏:‏كان كثير التعبد دائم البكاء قد جعلت الدموع في خديه طريقين‏.‏أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم

الأصفهاني قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثنا عبد الصمد بن سعيد قال‏:‏ سمعت أباأيوب قال‏:‏ سمعت يزيد بن عبد ربه يقول‏:‏ عدت أبا بكر بن أبي مريم وهو يقول في النزع فقلت له‏:‏ رحمك الله لو جرعت جرعة ماء فقال‏:‏ بيده لا ثم جاء الليل فقال‏:‏ إذن فقلت‏:‏ نعم فقطرنا في فمه قطرة ماء ثم مات‏.‏

 

ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائة فمن الحوادث فيها‏:‏ غزوة الوليد بن القعقاع العبسي أرض الروموفيها‏:‏ غزا أسد بن عبد الله فملأ يديه من السبي ولقي خاقان ملك الترك فقتله وقتل بشرًا

كثيرًا من أصحابه وانصرف بغنائم كثيرة‏.‏

وكان الحارث بن شريح قد انضم إلى خاقان فتبارزوا فانهزم الحارث والترك وخاقان وتركوا

قدورهم تغلي وتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلون من قدروا عليه واستاقوا من أغنامهم أكثر

من خمسين ومائة ألف شاة ودواب كثيرة ولحقهم أسد عند الظهر ووجل بخاقان بذدونه فحماه

الحارث بن شريح وبعث أسد بجواري الترك إلى دهاقين خراسان واستنفذ من كان في أيديهممن المسلمين ومضى خاقان إلى الجوزجان فارتحل أسد فنزل بها فهرب خاقان ورجع أسد إلى

بلخ فقتلوا من قدروا عليه منهم ثم رجع خاقان إلى بلاده وأخذ في الاستعداد للحرب

ومحاصرة سمرقند وحمل الحارث وأصحابه على خمسة آلاف برذون‏.‏وأن خاقان لعب مع بعض الملوك بالنرد فتنازعا فضرب ذلك الملك يد خاقان فكسرها فحلف خاقان ليكسرن يده فبيت خاقان فقتله وبعث أسد إلى خالد بن عبد الله يخبره فبعث إلى هشام يبشره بالفتح فنزل هشام عن سريره فسجد سجدة الشكر‏.‏وقد روي لنا في حديث طول من أخبار هشام أنه جاءه الخبر أن خاقان قد خرج فاستباح

أرمينية فلما سمع ذلك ضرب مضربًا وآلى ألا يكنه سقف بيت وأن لا يغتسل من جنابة حتىيفتح الله عليه‏.‏ فأمر مسلمة فعسكر فلما أصبح أذن للناس إذنًا عامًا فأخبرهم بما ورد من

الخبر‏.‏ وبعث إلى سعيد بن عمرو الحرشي فأنفذه فجعل لكل من معه علمًا في رمحه فوصلواومع خاقان ثمانية عشر ألف أسير من المسلمين فكبر المسلمون تكبيرة واحدة فرأت الإسراءالأعلام فعلموا أنها للمسلمين فقطعوا أكتاف أنفسهم وتناولوا خشبًا كان الكفار قد جمعوه

فثار الكفار إلى خيلهم فهذا يسرج وهذا يركب فلحقتهم خيول المسلمين وأدرك خاقان فقتلواستبيح عسكرهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزم الباقون وقتل ابن خاقان‏.‏

وفي هذه السنة قتل المغيرة بن سعيد ومن معه‏.‏خرج المغيرة بن سعيد وسار بظاهر الكوفة في نفر فأخذهم خالد فقتلهم وأما المغيرة فذكر

أنه كان ساحرًا‏.‏

قال الأعمش‏:‏ سمعت المغيرة يقول‏:‏ لو أراد علي رضي الله عنه أن يحيي عادًا وثمودًا وقرونًا بي ذلك كثيرًا لأحياها‏.‏قال أبو نعيم‏:‏ كان المغيرة قد نظر في السحر فأخذه خالد القسري فقتله‏.‏

قال سعيد بن مرادا بند‏:‏ رأيت خالدًا حين أتى بالمغيرة وبيان في ستة نفر أو سبعة أمر بسريرهفأخرج إلى المسجد الجامع وأمر بأطنان قصب ونفط فأحضرا ثم أمر المغير أن يتناول طنًافتأنى فصبت الصياط على رأسه فتناول طنًا فاحتضنه فشد عليه ثم صب عليه وعلى الطن

نفط ثم ألهبت فيهما النار فاحترقا ثم أمر الرهط ففعلوا كذلك‏.‏ ثم أمر بيانًا أخرهم فتقدم إلىالطن مبادرًا فاحتضنه فقال خالد‏:‏ ويلكم في كل أمركم تحمقون هلا رأستم هذا لا المغيرة ثمأحرقه‏.‏وفي هذه السنة خرج بهلول بن بشر الملقب كثارة فقتل‏.‏

وكان منزله بدابق وكان يتأله فخرج يريد الحج فأمر غلامه أن يبتاع له بدرهم خلًا فجاءه

بخمر فأمره بردها وأخذ الدرهم فمل يجب إلى ذلك فجاء بهلول إلى عامل القرية فكلمه فقالالعامل‏:‏ الخمر خير منك ومن قومك فمضى في حجه وعزم على الخروج على السلطان فلقي

بمكة من كان على مثل رأيه فاتّعدوا قرية من قرى الموصل فاجتمعوا أربعين وأمروا البهلولفجعلوا لا يمرون على أحد إلا أخبروه أنهم أقبلوا من عند هشام إلى خالد لينفذهم في أعمالهم

فأخذوا دوابًا من دواب البريد فلما انتهوا إلى القرية التي كانت ابتاع الغلام منها الخلّ فقالبهلول‏:‏ نبدأ بهذا العامل الذي قال ما قال فقال له أصحابه‏:‏ نحن نريد قلت خالد فإن بدأنا بهذا

شّهرنا وحذرنا خالد وغيره فننشدك الله أن تقتل هذا فيفلت منا خالد فقال‏:‏ لا أدع ما يلزمني لما بعده وأنا أرجو أن أقتل هذا وأدرك خالدً وقد قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏قاتلوا الذين يلونكم من الكفار‏}‏ فأتاه فقتله فنذر بهم الناس وعلموا أنهم خوارج فابتدروا هرّابًا‏.‏

وخرجت البرد إلى خالد فأعلموه أن خارجة قد خرجت فبعث إليهم جندًا فالتقوا على الفرات فهزمهم البهلول وارتحل إلى الموصل فخافه عامل الموصل فتوجه يريد هشامًا فخرجت

إليه الأجناد فكانوا عشرين ألفًا وهو في سبعين فقاتلهم فقتل منهم جماعة ثم عقد أصحابهدوابهم وترجلوا فأوجعوا في الناس ثم طعنه رجل فوق فقال أصحابه‏:‏ وَلِّ أمرنا من يقوم بهقال‏:‏ إن هلكت فأمير المؤمنين دعامة الشيباني فإن هلك فعمرو اليشكري ثم مات من ليلته

فلما أصبحوا هرب دعامة وخلاهم فخرج عمرو اليشكري فلم يلبث أن قتل ثم خرج

العمريري فخرج إليه الصمط بن مسلم فانهزمت الحرورية فتلقاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم

فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم‏.‏ثم خرج وزير السجستاني وكان مخرجه بالحيرة فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها ولا أحد إلا قتله وغلب على بيت المال فوجه إليه خالد قائدًا من أصحابه فقتل عامة أصحابه وارتث فحملإلى خالد فقرأ عليه آيات من القرآن ووعظه فأعجب خالد من كلامه فحبسه وكان يبعثإليه في الليالي فيؤتى به فيحادثه فبلغ ذلك هشامًا وقيل‏:‏ أخذ حروريا ً واتخذه سميرًا فغضب هشام وكتب إلى خالد يشتمه ويأمره بقتله وإحراقه‏.‏ فشده وأصحابه بأطنان القصب فصب عليهم النفط وأحرقهم بالنار فما منهم إلا من اضطرب إلا هذا الرجل فإنه لم يتحرك ولم يزل يتلو القرآن حتى مات‏.‏وفي هذه السنةخرج الصحاري بن شبيب على خالد ووافقه جماعة فبعث إليهم خالد جندًا فاقتتلوا فقتلوهم بأجمعهم‏.‏

وفي هذه السنة حج بالناس مسلمة بن هشام بن عبد الملك وحج معه ابن شهاب الزهريوكان العامل في هذه السنة على مكة والمدينة والطائف محمد بن هشام وعلى العراق والمشرق خالد بن عبد الله وعامل خالد على خراسان أخوه أسد‏.‏

وقد قيل إن أسدًا هلك في هذه السنة استخلف جعفر بن حنظلة البهراني وقيل‏:‏ إنما هلكأسد في سنة عشرين وكان على أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد بن مروان‏.‏

 

ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حبيب بن أبي ثابت الأسدي مولى لبني كاهل‏:‏ روي عن عمر وابن عباس وجابر وحكيم بن حرام وأنس بن مالك وابن أبي أوفى‏.‏ وكان كثير التعبد‏.‏

قال أبو بكر بن عياش‏:‏ لو رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدًا لقلت‏:‏ ميت من طول سجوده

وكان كريمًا أنفق على القراء مائة ألف وكان يقول‏:‏ ما استقرضت شيئًا من أحد أحب إلي مننفسي أقول لها‏:‏ أمهلي حتى يجيء من حيث أحب‏.‏

وتوفي في هذه السنة‏.‏حبيب أبو محمد الفارسي‏:‏ حضر مجلس الحسن البصري فتأثر بموعظته فخرج مما كان يملكه وتعبد‏.‏ وكان له زوجة يقال لها عمرة تنبهه في اسحر وتقول‏:‏ قم يا رجل فقد ذهب الليل وجاء النهار وبين يديك طريق بعيد والزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ويقينا‏.‏أخبرنا أبو بكر العامري قال‏:‏ أخبرنا أبو سعيد الحيري قال‏:‏ أخبرنا ابن باكويه الشيرازي قال‏:‏حدّثنا محمد بن إبراهيم الشيروزي قال‏:‏ حدثنا عبد الصمد بن محمد العباداني قال‏:‏ حدثنا

خلف بن الوليد قال‏:‏ اشترى حبيب الفارسي نفسه ربه أربع مرات بأربعين ألف درهم أخرج بدرة فقال‏:‏ يا رب اشتريت منك نفسي بهذه وأخرج بدرة أخرى فقال‏:‏ إلهي إن كنت قبلت تلك فهذه شكرانها ثم أخرج الثالثة فقال‏:‏ إلهي إن كنت لم تقبل الأولى والثانية فاقبل هذه ثم أخرج الرابعة فقال إلهي إن كنت قبلت الثالثة فهذه شكر لها‏.‏قال أبو بكر بن أبي الدنيا بإسناد له عن إسماعيل بن زكريا وكان جارًا لحبيب قال‏:‏ كنت إذاأمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه فأتيت أهله فقلت‏:‏ ما شأنه يبكي إذا

أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسي‏.‏أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا عبد الواحد بن محمد الصباغ قال‏:‏ أخبرنا جعفر

بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن الحسن الضراب قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثنا أحمد بنمروان قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علي قال أخبرنا محمد بن عبد الله عن عبد الواحد بن زيد‏:‏ أن

حبيبًا أبا محمد جزع جزعًا شديدًا عند الموت فجعل يقول بالفارسية‏:‏ أريد أسافر سفرًا ما

سافرته قط أريد أن أسلك طريقًا ما سلكته قط أريد أن أدخل تحت التراب فأبقى تحته إلى

يوم القيامة ثم أوقف بين يدي الله فأخاف أن يقول لي‏:‏ حبيب هات تسبيحة واحدة سبحتني فيستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها فماذا أقول وليس لي حيلة أقول‏:‏ يا رب هو ذا قد أتيتك

مقبوض اليدين إلى عنقي‏.‏

قال عبد الواحد‏:‏ هذا عبد الله ستين سنة مشتغلًا به ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط فأي

شيء حالنا واغوثاه بالله‏.‏

مجمع بن سمعان أبو حمزة‏.‏

كان سفيان الثوري يرى له أمرًا عظيمًا حتى قال‏:‏ ليس شيء من عملي أرجو ألا يشوبه شيء

كحبي لمجمع التيمي‏.‏وقال سفيان‏:‏ يروى عن أبي حيان التيمي أنه قال وحلف‏:‏ ما من عمله شيء أوثق في نفسه من حبه من مجمع التيمي‏.‏

وكان أبو بكر بن عياش يقول‏:‏ ومن كان أروع من مجمع‏.‏ورأيي مجمع في إزار سفيان خرقًا فأعطاه أربعة آلاف درهم قال سفيان‏:‏ لا أحتاج إليها

قال‏:‏ صدقت أنت لا تحتاج إليها ولكني أحتاج‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن هبة الله الطبري قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسينبن الفضل قال‏:‏ حدَّثنا ابن درستويه قال‏:‏ حدَّثنا يعقوب بن سفيان قال حدَّثنا أبو بكر قالحدَّثنا سفيان قال‏:‏ قال مسعر‏:‏ جاء مجمع إلى أسوق بشاة يبيعها فقال يخيل إليّ أن في لبنها ملوحة‏.‏

قال أبو حاتم الرازي‏:‏ دعا مجمع ربه عز وجل أن يميته قبل الفتنة فمات من ليلته وخرج زيد بن علي من الغد‏.‏